فصل: 1368- باب ما جاءَ في كَراهِيَةِ الرّقْيَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


27- كتاب الطبّ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

1355- باب ما جاءَ في الْحِمْيَة

بالكسر بالفارسية برهيز كردن حمي المريض ما يضره منعه إياه فاحتمى وتحمى امتنع‏.‏ وقال فيه‏:‏ الحمية بالكسر ما حمي من شيء

2045- حَدّثنا عَبّاسُ بنُ محمدٍ الدّورِيّ، حدثنا يُونُسُ بنُ محمدٍ، حدثنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ عَنْ عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الرّحْمنِ التيمي عنْ يَعْقُوبَ بنِ أَبِي يَعْقُوبَ عن أُمّ المُنْذِرِ، قَاَلتْ‏:‏ ‏"‏دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عَلِيّ وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلّقَةٌ‏.‏ قالَتْ‏:‏ فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يأَكُلُ، وَمَعهُ علي يَأكُلُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعَلِيّ‏:‏ ‏"‏مَهْ مَهْ يا عَلِيّ فإِنّكَ نَاقِهٌ، قالَ فَجَلَسَ عَلِيٌ وَالنبيّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ، قالَتْ فَجَعَلَتْ لَهُمْ سِلْقاً وَشعيراً، فَقَالَ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا عَلِيّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنّهُ أَوْفَقُ لَكَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمانَ، وَيُرْوَى عن فُلَيْحِ بنِ سُلَيْمانَ عن أَيّوبَ بنِ عَبْدِ الرّحْمنِ‏.‏

2046- حدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا أَبُو عَامِرٍ وَأَبُو دَاوُدَ، قَالاَ أخبرنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ عن أَيّوبَ بنِ عَبْدِ الرّحْمنِ عن يَعْقُوبَ بنِ أَبِي يَعْقُوبَ عن أُمّ المُنْذِرِ الأَنْصَارِيّةِ قالَتْ‏:‏ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ يُونُسَ بنِ محمدٍ إِلاّ أَنّهُ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَنْفَعُ لَكَ‏"‏‏.‏ وَقَالَ محمدُ بنُ بَشّارِ في حَدِيثِه، وَحَدّثَنِيِه أَيّوبُ بنُ عَبْدِ الرّحْمنِ‏.‏ هذا حديثٌ جَيّدٌ غريبٌ‏.‏

2047- حدّثنا محمدُ بنُ يَحْيَى، حدثنا إِسْحَاقُ بنُ محمدٍ الفَرْوِيّ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن عُمَارَةَ بنِ غَزِيّةَ عنْ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ عن محمودِ بنِ لَبِيدٍ عن قَتَادَةَ بنِ النّعْمَانِ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا أَحَبّ الله عَبْدَاً حَمَاهُ الدّنْيا كَمَا يَظَلّ أَحَدُكُمْ يَحْمِي سَقيمهُ المَاءَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن صُهَيْبٍ وأُم المنذرِ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏ وقد رُوِيَ هَذَا الْحدِيثُ عن محمود بنِ لَبِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً‏.‏

2048- حدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن عَمْرِو بنِ أَبِي عَمْرٍو عن عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ قَتَادَةَ عن محمودِ بنِ لَبِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏ وَلَمْ يَذْكُرْ فيِه عن قَتَادَةَ ابنِ النّعْمَانِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَقَتَادَةُ بنُ النّعْمَانِ الظّفَرِيّ هُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ لأِمّهِ، وَمحمودُ بنُ لَبِيدٍ قَدْ أَدْرَكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَرَآهُ وَهُوَ غُلاَمٌ صَغِيرٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يعقوب بن أبي يعقوب‏)‏ المدني صدوق من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولنا دوال معلقة‏)‏ جمع دالية وهي العذق من البسر يعلق فإذا أرطب أكل ‏(‏مه مه‏)‏ أي أكفف وهو اسم فعل ‏(‏فإنك ناقه‏)‏ قال في القاموس‏:‏ نقه كفرح ومنع نقهاً ونقوهاً صح وفيه ضعف وأفاق فهو ناقه ‏(‏فجعلت لهم سلقاً وشعيراً‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ وصنعت شعيراً وسلقاً فجئت به‏.‏ والمعنى طبخت لهم سلقاً وشعيراً، والسلق بالكسر بالفارسية جقندر، يعني من هذا فأصب من الإصابة أي أدرك من هذا أو كل منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجة وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره ‏(‏لا نعرفه إلا من حديث فليح بن سليمان‏)‏ قال المنذري‏:‏ في قول الترمذي هذا نظر‏.‏ فقد رواه غير فليح ذكره الحافظ أبو القاسم الدمشقي انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو داود‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏عن أيوب بن عبد الرحمن‏)‏ قال في التقريب أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة، وقيل أيوب بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة صدوق من السادسة‏.‏ ‏(‏عن أم المنذر الأنصارية‏)‏ قال الحافظ في تهذيب التهذيب أم المنذر الأنصارية إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم صلت معه القبلتين وهي التي دخل عليها ومعه علي في قصة الدوالي والسلق والشعير‏.‏ روى عنها يعقوب بن أبي يعقوب المدني قال الطبراني‏:‏ اسمها سلمى بنت قيس‏.‏ وقال الترمذي هي أم المنذر بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ويقال هي سلمى بنت قيس أخت سليط من بني مازن بن النجار انتهى‏.‏ ‏(‏وقال محمد بن بشار في حديثه‏:‏ حدثنيه أيوب بن عبد الرحمن‏)‏ في كلام الترمذي هذا نظر، فتفكر وتأمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يحيى‏)‏ هو الإمام الذهلي ‏(‏حدثنا إسحاق بن محمد الفروي‏)‏ قال في التقريب‏:‏ إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة الفروي المدني الأموي مولاهم صدوق، عف نساء حفظه من العاشرة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا‏)‏‏:‏ أي حفظه من متاع الدنيا ومناصبها أي حال بينه وبين ذلك بأن يبعده عنه ويعسر عليه ‏(‏حصوله كما يظل أحدكم يحمي سقية الماء‏)‏‏:‏ أي شربه إذا كان يضره، والأطباء تحمي شرب الماء في أمراض معروفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن صهيب‏)‏ أخرجه بن ماجة في باب الحمية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان والحاكم وقال صحيح، ووهم ابن الجوزي قاله المناوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقتادة بن النعمان الظفري‏)‏ بمعجمة وفاء مفتوحين صحابي شهد بدراً‏.‏

1356- باب ما جاءَ في الدّوَاءِ والْحَثّ عَلَيْه

2049- حَدّثنا بِشْرُ بنُ مُعَاذٍ العَقَدِيّ البَصْرِيّ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عن زِيَادِ بنِ عِلاَقَةَ عن أُسَامَةَ بنِ شَرِيكٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قالَتْ الأَعْرَابُ يا رَسُولَ الله أَلاَ نَتَدَاوَى‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ يَا عِبَادَ الله تَدَاوَوْا، فَإِنّ الله لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاّ وَضَعَ لَهُ شِفَاءَ أَوْ دَوَاءً، إِلاّ دَاءً وَاحِداً، فَقَالُوا يَا رَسُولَ الله‏:‏ وَمَا هُوَ‏؟‏ قالَ‏:‏ الْهَرَمُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وأَبِي خِزَامةَ عن أَبِيه وَابنِ عَبّاس‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى‏)‏ وفي رواية أبي داود‏:‏ قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير، فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من ههنا وههنا فقالوا يا رسول الله أنتداوى‏؟‏ ‏(‏قال نعم يا عباد الله تداووا‏)‏ فيه إثبات الطب والعلاج، وأن التداوي مباح غير مكروه‏.‏ كما ذهب إليه بعض الناس، قاله الخطابي‏.‏ وقال العيني‏:‏ فيه إباحة التداوي وجواز الطب وهو رد على الصوفية‏:‏ أن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء، ولا يجوز له مداوته‏.‏ وهو خلاف ما أباحه الشارع انتهى‏.‏ ‏(‏فإنه لم يضع‏)‏ أي لم يخلق ‏(‏داء إلا وضع له شفاء أو دواء‏)‏‏.‏ شك في الراوي ‏(‏قال الهرم‏)‏ بفتح الهاء والراء أي هو الهرم‏.‏ قال الخطابي‏:‏ جعل الهرم داء وإنما هو ضعف الكبر، وليس هو من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان، من قبل اختلاف الطبائع وتغير الأمزجة، وإنما شبهه بالداء لأنه جالب التلف والأدواء التي قد يتعقبها الموت والهلاك انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي خزامة عن أبيه وابن عباس‏)‏ أما حديث ابن مسعود فأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم والطحاوي ص 388 ج 2 وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري بلفظ‏:‏ ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء‏.‏ وأما حديث أبي خزامة عن أبيه فأخرجه أحمد وابن ماجة، وأخرجه الترمذي أيضاً في باب لا يرد الرقي والدواء من قدر الله شيئاً‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطحاوي 386 ج 2 وأبو نعيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

1357- باب ما جاءَ مَا يُطْعَمُ المرِيض

2050- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا محمدُ بنُ السّائِبِ بنِ بَرَكَةَ عن أُمّهِ عن عَائِشَةَ قالَت‏:‏ ‏"‏كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الْوَعَكُ أَمَرَ بالْحِسَاءِ فَصُنِعَ، ثُمّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ‏:‏ إِنّهُ لَيَرْتُق فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيسرو عن فُؤَادِ السّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إِحْدَاكُنّ الوَسَخَ بالمَاءِ عن وَجْهِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ ابن المبارك عن يونس عن الزّهْرِيّ عن عُرْوَةَ عن عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم شَيْئَاً مِنْ هَذَا‏.‏

2051- حدّثنا بِذَلِكَ الْحُسَيْنُ الجريري أخبرنا أَبُو إِسْحَاقَ الطّالِقَانِيّ، عن ابنِ المُبَارَكِ، عن يُونُسَ عن الزهْرِيّ، عن عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ، حدثنا بِذَلِكَ أَبُو إِسْحَاقَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن السائب بن بركة‏)‏ المكي ثقة من السادسة ‏(‏عن أمه‏)‏ قال في التقريب‏:‏ أم محمد والدة محمد بن السائب بن بركة مقبول من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أخذ أهله‏)‏ بالنصب على المفعولية ‏(‏لوعك‏)‏ بالرفع على الفاعلية‏.‏ قال في النهاية‏:‏ الوعك الحمى وقيل ألمها ‏(‏أمر بالحساء‏)‏ بالفتح والمد وهو طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن وقد يحلى ويكون رقيقاً يحسى‏:‏ قال القاري‏:‏ وذكر بعضهم السمن بدل الدهن، وأهل مكة يسمونه بالحريرة ‏(‏فحسوا منه‏)‏ قال في القاموس‏:‏ حسا زيد المرق شربه شيئاً بعد شيء ‏(‏إنه ليرتو فؤاد الحزين‏)‏ أي يشد قلبه ويقويه ‏(‏ويسرو عن فؤاد السقيم‏)‏ أي يكشف عن قلبه الألم ويزيله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والحاكم ‏(‏وقد روى الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً من هذا‏)‏ ولفظه عند البخاري‏:‏ أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك، وكانت تقول‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إن التلبين تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بذلك الحسين الجريري أخبرنا أبو إسحاق الطالقاني عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري الخ‏)‏ قال المزي‏:‏ كذا في النسخ يعني نسخ الترمذي ليس فيه عقيل‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية نعيم بن حماد، ومن رواية عبد الله بن سنان، كلاهما عن ابن المبارك ليس فيه عقيل‏.‏ وأخرجه أيضاً من رواية علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك بإثباته‏.‏ وهذا هو المحفوظ وكان لم يذكر فيه عقيلاً جرى على الجاد لأن يونس مكثر عن الزهري، وقد رواه عن عقيل أيضاً الليث بن سعد وتقدم حديثه في كتاب الأطعمة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بذلك أبو إسحاق‏)‏ كذا في النسخ الحاضرة عندنا ولم يظهر لي وجه وقوع هذا اللفظ ههنا فتفكر‏.‏

1358- باب ما جاءَ لاَ تُكْرِهُوا مَرضَاكُمْ عَلَى الطّعَامِ وَالشّرَاب

2052- حَدّثنا أبو كُرَيْبٍ، أخبرنا بَكْرُ بنُ يُونُسَ بنِ بُكَيْرٍ عن مُوسَى بنِ علَيّ عن أبِيِه عن عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيّ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطّعَامِ، فإنّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا بكر بن يونس بن بكير‏)‏ الشيباني الكوفي قال في التقريب ضعيف‏.‏ وقال في الخلاصة قال البخاري منكر الحديث ‏(‏عن موسى بن علي‏)‏ بالتصغير رباح بن اللخمي البصري صدوق ربما أخطأ قاله الحافظ، ووثقه النسائي وأبو حاتم وابن معين وغيرهم ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو علي بن رباح، قال في التقريب علي بن رباح ابن قصير اللخمي البصري ثقة والمشهور فيه علي بالتصغير وكان يغضب منها انتهى‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ قال علي بن عمر الحافظ‏:‏ لقبه علي بالضم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لاتكرهوا‏)‏ نهي من الإكراه ‏(‏مرضاكم‏)‏ جمع مريض ‏(‏على الطعام‏)‏ أي على تناول الأكل والشرب ‏(‏فإن الله تبارك وتعالى يطعمهم ويسقيهم‏)‏ أي يمدهم بما يقع موقع الطعام والشراب ويرزقهم صبراً على ألم الجوع والعطش، فإن الحياة والقوة من الله حقيقة، لا من الطعام ولا الشراب ولا من جهة الصحة‏.‏ قال القاضي‏:‏ أي يحفظ قواهم، ويمدهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب في حفظ الروح وتقويم البدن، ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني‏"‏‏.‏ وإن كان ما بين الإطعامين والطعامين بوناً بعيداً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب إلخ‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والحاكم‏.‏ وقد عرفت أن في سنده بكر بن يونس وهو ضعيف‏.‏

1359- باب ما جاءَ في الْحَبّةِ السّوْدَاء

أي الشوفين

2053- حَدّثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ وَسَعِيدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمنِ المخْزُومِيّ، قالا حدثنا سُفْيَانُ، عن الزّهْرِيّ، عن أَبِي سَلَمَةَ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ‏:‏ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبّةِ السّوْدَاءِ، فَإِنّ فِيهَا شِفَاءً، مِنْ كُلّ دَاءِ إِلاّ السّامُ‏"‏‏.‏ والسّامُ‏:‏ المَوْتُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ وَابنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

والحبة السوداء هي‏:‏ الشونيز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عليكم بهذه الحبة السوداء‏)‏ أي الزموا استعمالها بأكل وغيره ‏(‏فإن فيها شفاء من كل داء‏)‏ يحدث من الرطوبة‏.‏ لكن لا تستعمل في داء صرفاً، بل تارة تستعمل مفردة وتارة مركبة بحسب ما يقتضيه المرض، قاله المناوي ‏(‏إلا السام‏)‏ بمهملة غير مهموزة ‏(‏والسام الموت‏)‏ وفي رواية البخاري قال ابن شهاب‏:‏ السام الموت والحبة السوداء الشونين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفي الباب عن بريد وابن عمر وعائشة‏)‏ أما حديث بريدة فأخرجه أبو نعيم في الطب، وأخرج المستغفري في كتاب الطب عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن هذه الحبة السوداء فيها شفاء‏.‏ قال وفي لفظ‏:‏ قيل وما الحبة السوداء‏؟‏ قال الشونين قال‏:‏ وكيف أصنع بها‏؟‏ قال‏:‏ تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة، ثم تضعها في ماء ليلة فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين‏.‏ فإذا كان من الغد قطرت في المخر الأيمن اثنين وفي الأيسر واحدة، فإذا كان في اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين‏.‏ كذا في فتح الباري وأما حديث ابن عمر، فأخرجه ابن ماجة وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد قال‏.‏ المناوي‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وابن ماجة والحاكم‏.‏

تنبيه‏:‏

أحاديث الباب هل هي محمولة على عمومها أو أريد منها الخصوص‏؟‏ فقال الخطابي‏:‏ هذا من عموم اللفظ الذي يراد به الخصوص، وليس يجمع في طبع شيء من النبات والشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها، وتباين طبعها، وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم‏.‏ وذلك أنه حار يابس فهو شفاء بإذن الله للداء المقابل له في الرطوبة والبرودة‏.‏ وذلك أن الدواء أبذأ بالمضاد، والغذاء بالمشاكل انتهى‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ ونظيره قوله تعالى في حق بلقيس ‏{‏وأوتيت من كل شيء‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏تدمر كل شيء‏}‏ في إطلاق العموم وإرادة الخصوص انتهى‏.‏

وقيل‏:‏ هي باقية على عمومها وأجيب عن قول الخطابي ليس يجمع في طبع شيء الخ بأنه‏:‏

ليس من الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

وأما قول الطيبي ونظيره الخ ففيه أن الاَيتين يمنع حملهما على العموم على ما هو عند كل أحد معلوم، وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين لقوله صلى الله عليه وسلم فيها‏:‏ إلا السام‏.‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات‏}‏ الاَية‏.‏

قلت‏:‏ قال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث بريدة المذكور ما لفظه‏:‏ ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفاً، بل ربما استعملت مفردة وربما استعملت مركبة، وربما استعملت مسحوقة، وغير مسحوقة، وربما استعملت أكلاً وشرباً وسعوطاً وضماداً وغير ذلك‏.‏

قال‏:‏ وقال أبو محمد بن أبي جمرة‏:‏ تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى قول أهل الطب والتجربة ولا خفاء بغلط قائل ذلك، لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار علمهم، غالباً إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب، فتصديق من لا بنطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم انتهى‏.‏

قال‏:‏ وقد تقدم توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الإفراد والتركيب ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث والله أعلم انتهى‏.‏

1360- باب ما جاءَ في شُرْبِ أَبْوالِ الإِبِل

أي للتداوي

2054- حَدّثنا الْحَسَنُ بنُ محمدٍ الزّعْفَرَانِيّ، حدثنا عَفّانُ، حدثنا حماد بنُ سَلَمَةَ، أخبرنا حُمَيْدُ وَثَابِتٌ وَقَتَادَةُ عن أَنَسٍ‏:‏ أَنّ نَاساً مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ فَاجْتَوَوْهَا، فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في إِبِلِ الصّدَقَةِ، وقالَ‏:‏ ‏"‏اشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن ناساً من عربنة الخ‏)‏ تقدم هذا الحديث مطولاً في باب بول ما يؤكل لحمه وتقدم هناك شرحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس‏)‏ أخرجه ابن المنذر عنه مرفوعاً‏:‏ عليكم بأبوال الإبل فإنها نافعة لذربة بطونهم، والذربة بفتح المعجمة وكسر الراء جمع ذرب، والذرب بفتحتين فساد المعدة كذا في الفتح‏.‏

1361- باب ما جاءَ فيمَنْ قَتَلَ نَفْسَه بِسمّ أَوْ غَيرِهِ

2055- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنيعٍ، حدثنا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ عن الأَعمَشِ عن أَبِي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ، أَرَاهُ رَفَعَهُ قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيِدَةٍ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَتَوَجّأُ بِهَا في بَطْنَه في نَارِ جَهَنّمَ خَالِداً مُخَلّداً أَبَداً، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسَمّ فَسَمّهُ في يَدِهِ يَتَحَسّاهُ في نَارِ جَهَنّمَ خَالِداً مُخَلّداً أبداً‏"‏‏.‏

2056- حدّثنا محمود بنُ غَيْلاَنَ حدثنا أَبُو دَاوُدَ، عن شُعْبَةَ عن الأَعْمَشِ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ‏:‏ ‏"‏أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَتوجّأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنّمَ خَالِداً مُخَلّداً فِيهَا أَبَداً، ومن قَتَل نَفْسَهُ بِسَمّ فَسَمّهُ في يَدِهِ يَتَحسّاهُ في نارِ جَهَنّمَ خالداً مُخلّداً فيها أبداً وَمَنْ تَرَدّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدّى في نَارِ جَهَنّمَ خَالِداً مُخَلّداً فِيهَا أَبَداً‏"‏‏.‏

2057- حدّثنا مُحَمّدُ بنُ العَلاءِ، أخبرنا وَكِيعٌ وأبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ حَدِيثِ شُعْبَةَ عن الأَعْمَشِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ وَهُوَ أَصَحّ مِنَ الْحَدِيثِ الأَوّلِ، هكذَا رُوِيَ هذا الحديثُ عن الأَعْمَشِ عن أَبِي صَالِحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَرَوَى محمدُ بنُ عَجْلاَنَ عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسَمٍ عُذّبَ في نَارِ جَهَنّمَ‏"‏‏.‏ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيِه ‏"‏خَالِداً مُخَلّداً فيِهَا أَبَداً‏"‏‏.‏ وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الزّنَادِ عن الأعْرَج عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وهذَا أَصَحّ لأَنّ الرّوَايَاتِ إِنّمَا تَجِيءُ بِأَنّ أَهْلَ التّوْحِيدِ يُعَذبُونَ في النّارِ ثُمّ يُخْرَجُونَ منها وَلاَ يذكرُ أَنّهُمْ يُخَلّدُونَ فِيهَا‏.‏

2058- حدّثنا سُوَيدُ بنُ نَصْرٍ أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ عن يُونسَ بنِ أَبِي إِسْحَاقَ عن مُجَاهِدٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ ‏"‏نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الدّوَاءِ الْخَبِيثِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ يَعْنِي السّمّ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبيدة‏)‏ بفتح أوله ‏(‏بن حميد‏)‏ هو الكوفي المعروف بالحذاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أراه‏)‏ بضم الهمزة أي أظنه ‏(‏رفعه‏)‏ أي رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏من قتل نفسه بحديدة‏)‏ أي بآلة من حديد ‏(‏وحديدته‏)‏ أي تلك بعينها أو مثلها ‏(‏يتوجأ‏)‏ بهمزة في آخره تفعل من الوجأ وهو الطعن بالسكين ونحوه، والضمير في قوله ‏(‏بها‏)‏ للحديدة أي يطعن بها ‏(‏بطنه‏)‏ أي في بطنه ‏(‏في نار جهنم‏)‏ أي حال كونه في نار جهنم ‏(‏ومن قتل نفسه بسم‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ ومن شرب سماً فقتل نفسه، والسم بضم السين وفتحها وكسرها ثلاث لغات‏:‏ أفصحهن الفتح وجمعه سمام، قال في القاموس السم هذا القاتل المعروف ‏(‏فسمه‏)‏ مبتدأ ‏(‏في يده يتحساه‏)‏ بمهملتين بوزن يتغذى أي يشربه في تمهل ويتجرعه ‏(‏في نار جهنم خالداً مخلداً‏)‏ قال الحافظ قد تمسك به المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار‏.‏

وأجاب أهل السنة عن ذلك بأجوبة منها توهيم هذه الزيادة قال الترمذي بعد أن أخرجه‏:‏ رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر خالداً مخلداً‏.‏ وكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يشير إلى رواية الباب يعني رواية أبي هريرة التي رواها البخاري في أواخر الجنائز بلفظ‏:‏ الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار‏.‏ قال وهو أصح لأن الروايات قد صحت أن أهل التوحيد يعذبون ثم يخرج منها ولا يخلدون‏.‏ وأجاب غيره بحمل ذلك على من استحله فإنه يصير باستحلاله كافراً والكافر مخلد بلا ريب‏.‏ وقيل ورد مورد الزجر والتغليظ وحقيقته غير مرادة‏.‏ وقيل المعنى إن هذا جزاءه، لكن قد تكرم الله على الموحدين فأخرجهم من النار بتوحيدهم‏.‏ وقيل التقدير مخلداً فيها إلى أن يشاء الله وقيل المراد بالخلود طول المدة لا حقيقة الدوام‏.‏ كأنه يقول يخلد مدة معينة وهذا أبعدها انتهى كلام الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو داود‏)‏ هو الطيالسي ‏(‏سمعت أبا صالح‏)‏ اسمه ذكوان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجأ‏)‏ بفتح أوله وتخفيف الجيم وبالهمز أي يطعن وقد تسهل الهمزة والأصل في يجأ يوجأ ‏(‏ومن تردى من جبل‏)‏ أي أسقط نفسه منه لما يدل عليه قوله فقتل نفسه على أنه تعمد ذلك وإلا فمجرد قوله تردى لا يدل على التعمد ‏(‏خالداً‏)‏ حال مقدرة ‏(‏مخلداً فيها أبداً‏)‏ تأكيد بعد تأكيد‏.‏ وقد تقدم بيان تمسك المعتزلة بهذا والجواب عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ رواه البخاري ومسلم والترمذي بتقديم وتأخير والنسائي ولأبي داود من حسا سماً فسمه في يده يتحساه في نار جهنم انتهى ‏(‏وهو‏)‏ أي حديث شعبة عن الأعمش قال سمعت أبا صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ ‏(‏أصح من الحديث الأول‏)‏ أي من حديث عبيدة بن حميد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، أراه رفعه الخ لأن عبيدة لم يتابعه أحد على روايته، وأما شعبة فقد تابعه على روايته وكيع وأبو معاوية ‏(‏هكذا روى هذا الحديث عن الأعمش الخ‏)‏ أي بزيادة خالداً مخلداً فيها أبداً ‏(‏وهكذا رواه أبو الزناد الخ‏)‏ أي بغير ذكر خالداً مخلداً فيها أبداً، ورواية أبي الزناد هذه وصلها البخاري في صحيحه كما ذكرنا ‏(‏وهذا‏)‏ أي حديث أبي هريرة الذي لم يذكر فيه خالداً مخلداً فيها أبداً ‏(‏أصح‏)‏ أي من حديثه الذي ذكرت فيها زيادة خالداً مخلداً فيها ‏(‏لأن الروايات إنما تجيء بأن أهل التوحيد يعذبون في النار ثم يخرجون منها ولا يذكر أنهم يخلدون فيها‏)‏ مقصود الترمذي أن هذه الزيادة وهم فإنها تخالف الروايات التي تجيء بأن أهل التوحيد يعذبون في النار ثم يخرجون منها‏.‏

قلت‏:‏ هذه الزيادة زادها الأعمش وهو ثقة حافظ وزيادة الثقة مقبولة فتأويل هذه الزيادة أولى من توهيمها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن الدواء الخبيث‏)‏ قيل هو النجس أو الحرام، أو ما يتنفر عنه الطبع ‏(‏يعني السم‏)‏ هذا تفسير الخبيث من أبي هريرة أو ممن دونه‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وحمل الحديث على ما ورد في بعض طرقه أولى‏.‏ وقد روي في آخر الحديث متصلاً به يعني السم انتهى‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ خبث الدواء يكون من وجهين أحدهما‏:‏ خبث النجاسة وهو أن يدخله المحرم كالخمر ونحوها من لحوم الحيوان غير المأكول اللحم، وقد يصف الأطباء بعض الأبوال وعذره بعض الحيوان لبعض العلل وهي كلها خبيثة نجسة وتناولها محرم إلا ما خصت السنة من أبوال الإبل وقد رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر عرينة وعكل‏.‏ وسبيل السنن أن يقر كل شيء منها في موضعه وأن لا يضرب بعضها ببعض‏.‏ وقد يكون خبث الدواء أيضاً من جهة الطعم والمذاق ولا ينكر أن يكون كره ذلك لما فيه من المشقة على الطباع ولتكره النفس إياه، والغالب أن طعوم الأدوية كريهة ولكن بعضها أيسر احتمالاً وأقل كراهة انتهى‏.‏ قال الماوردي وغيره‏:‏ السموم على أربعة أضرب، منها ما يقتل كثيره وقليله فأكله حرام للتداوي ولغيره كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة‏}‏ ومنها ما يقتل كثيره دون قليله فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره، والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي جاز أكله تداوياً‏.‏ ومنها ما يقتل في الأغلب وقد يجوز أن لا يقتل فحكمه كما قبله‏.‏ ومنها ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل‏.‏ فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله وفي موضع تحريم أكله فجعله بعض أصحابه على حالين‏:‏ فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي، والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم‏.‏

1362- باب ماَ جاَءَ في كَرَاهِيَةِ التّدَاوِي بالمُسكِر

2059- حَدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبو دَاوُدَ، عن شُعْبَةَ عن سِمَاكٍ أَنّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بنَ وَائِلٍ عن أَبِيِه أَنّهُ شَهِدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وَسَأَلَهُ سُوَيْدُ بنُ طَارِقٍ أو طَارِقُ بنُ سُوَيْدٍ عن الْخَمْرِ، فَنَهَاهُ فَقَالَ‏:‏ إِنّا نَتَدَاوَى بِهَا، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ وَلَكِنّهَا دَاءٌ‏"‏‏.‏

2060- حدّثنا محمودُ، أخبرنا النّضْرُ بن شُميلٍ وَشَبَابَةُ عن شُعْبَةَ بِمِثْلِهِ‏.‏ قالَ محمودُ‏:‏ قالَ النّضْرُ‏:‏ طَارِقُ بنُ سُوَيْدٍ‏.‏ وقالَ شَبَابَةُ‏:‏ سُوَيْدُ بنُ طَارِقٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنه شهد‏)‏ أي حضر قال في القاموس شهده كسمعه شهوداً حضره انتهى‏.‏ ‏(‏وسأله سويد بن طارق أو طارق بن سويد‏)‏ قال في تهذيب التهذيب‏:‏ طارق بن سويد ويقال سويد بن طارق الحضرمي ويقال الجعفي له صحبة حديثه عند أهل الكوفة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأشربة ‏(‏عن الخمر‏)‏ أي عن شربها أو صنعها ‏(‏فنهاه‏)‏ وفي رواية مسلم فنهاه أو كره أن يصنعها ‏(‏فقال إنا لتتداوى بها‏)‏ وفي رواية مسلم إنما أصنعها للدواء ‏(‏إنها ليست بدواء ولكنها داء‏)‏ وفي رواية ابن ماجة‏:‏ إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوي بها لأنها ليست بدواء فكأنه يتناولها بلا سبب وهذا هو الصحيح عند أصحابنا‏:‏ أنه يحرم التداوي بها وكذا يحرم شربها‏.‏ وأما إذا غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمراً فيلزمه الإساغة بها لأن حصول الشفاء بها حينئذ مقطوع به بخلاف التداوي انتهى‏.‏ وقد أباح التداوي بها عند الضرورة بعضهم، واحتج في ذلك بإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعرينة التداوي بأبوال الإبل وهي محرمة، إلا أنها لما كانت مما يستشفي بها في بعض العلل رخص لهم في تناولها‏.‏ قال الخطابي قد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأمرين اللذين جمعهما هذا القائل، فنص على أحدهما بالحظر وعلى الاَخر بالإباحة وهو بول الإبل‏.‏ والجمع بين ما فرقه النص غير جائزاً‏.‏ وأيضاً فإن الناس كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها ويشفون بها ويتبعون لذتها، فلما حرمت عليهم صعب عليهم تركها والنزوع عنها، فغلظ الأمر فيها بإيجاب العقوبة على متناوليها ليرتدعوا وليكفوا عن شربها وحسم الباب في تحريمها على الوجوه كلها شرباً وتداوياً، لئلا يستبيحوها بعلة التساقم والتمارض، وهذا المعنى مأمون في أبوال الإبل لانحسام الدواعي ولما على الطباع من المؤنة في تناولها، ولما في النفوس من استقذارها والنكرة لها‏.‏ فقياس أحدهما على الاَخر لا يصح ولا يستقيم انتهى‏.‏ قال الحافظ بن القيم في الهدى‏:‏ المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلاً وشرعاً‏.‏ أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث ‏(‏يعني حديث الباب وحديث أبي الدرداء عند أبي داود مرفوعاً‏:‏ أن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بالمحرم‏.‏ وحديث ابن مسعود عند البخاري‏:‏ إن الله لم يجعل شفائكم فيما حرم عليكم‏.‏ وحديث النهي عن الدواء الخبيث وغير ذلك‏)‏ وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله‏:‏ ‏{‏فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم‏}‏ وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه وتحريمه لهم حمية لهم وصيانة عن تناوله فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقماً أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب‏.‏ وقد بسط ابن القيم الكلام ههنا بسطاً حسناً من شاء الوقوف عليه فليراجع الهدى‏.‏

تنبيه‏:‏

قال العنبي في العمدة‏:‏ الاستشفاء بالحرام جائز عند التيقن بحصول الشفاء، كتناول الميتة في المخمصة، والخمر عند العطش وإساغة اللقمة، وإنما لا يباح ما لا يستيقن حصول الشفاء به‏.‏ وقال إذا فرضنا أن أحداً عرف مرض شخص بقوة العلم وعرف أنه لا يزيله إلا تناول المحرم يباح له حينئذ أن بتناوله كما يباح شرب الخمر عند العطش الشديد وتناول الميتة عند المخمصة‏.‏

قلت‏:‏ دفع العطش وانحدار اللقمة بشرب الخمر متيقن، وأما حصول الشفاء بالتداوي ولو بالحلال فليس بمتيقن، فقياس التداوي بالحرام على شرب الخمر عند العطش الشديد وانحدار اللقمة فاسد الاعتبار‏.‏ قال الشيخ ابن العابدين في رد المحتار ما محصله‏:‏ إن إساغة اللقمة بالخمر ودفع العطش به متحقق النفع ولذلك من لم يسغ اللقمة ولم يدفع العطش عند وحود الخمر ومات يأثم بخلاف التداوي وإن كان بالحلال فإنه ليس بمتحقق النفع بل مظنون النفع، ولذلك من ترك التداوي ومات لا يأثم انتهى‏.‏ وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي‏:‏ فإن قيل التداوي حال ضرورة والضرورة تبيح المحظور فالتداوي بالحرام مباح، قلنا‏:‏ التداوي ليس حال ضرورة وإنما الضرورة ما يخاف معه الموت من الجوع، فأما التطبب في أصله فلا يجب فكيف يباح فيه الحرام انتهى محصلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة‏.‏

1363- باب ماَ جاَءَ في السّعُوطِ وغَيْرِه

بفتح السين وضم العين المهملتين ما يجعل في الأنف مما يتداوى به

2061- حَدّثنا محمدُ بنُ مَدّوَيْهِ أخبرنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ حَمّادٍ الشعبي، أخبرنا عَبّادُ بنُ مَنْصُورٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَباّسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السّعُوطُ واللّدُودُ والْحِجَامَةُ والمَشِيّ‏.‏ فَلَمّا اشْتَكَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لدّهُ أَصْحَابُهُ‏.‏ فَلَمّا فَرَغُوا قَالَ‏:‏ لُدّوهُمْ‏.‏ قالَ‏:‏ فَلُدّوا كُلّهُمْ غَيْرَ العَبّاسِ‏"‏‏.‏

2062- حدّثنا محمدُ بنُ يَحْيَى، حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ حدثنا عَبّادُ بن مَنْصُورٍ عن عِكْرِمَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الّلدُودُ والسّعُوطُ والْحِجَامَةُ والمَشِيّ، وَخَيْرَ ماَ اكْتَحَلْتُمْ بِهِ الإِثْمِدُ، فَإِنّهُ يَجْلُو البَصَرَ وَيُنْبِتُ الشعْرَ‏.‏

قالَ‏:‏ وكانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ بِهَا عِنْدَ النّومِ ثَلاَثاً في كُلّ عَيْنٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏:‏ وهُوَ حَدِيثُ عَبّادِ بنِ مَنْصُورٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن مدويه‏)‏ هو محمد بن أحمد بن الحسين بن مدويه بميم وتثقيل القرشي ‏(‏اخبرنا عبد الرحمن بن حماد‏)‏ بن شعيب الشعيئي أبو سلمة العنبري البصري، صدوق، ربما أخطأ من صغار التاسعة ‏(‏أخبرنا عباد بن منصور‏)‏ الناجي أبو سلمة البصري القاضي صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بآخره من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن خير ما تداويتم به السعوط‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ استعط أي استعمل السعوط هو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر برأسه ويقطر في أنفخ ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس انتهى ‏(‏واللدود‏)‏ بفتح اللام هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي فم المريض ويسقاه أو يدخل هناك بأصبع وغيرها ويحنك به‏.‏ قال النووي ‏(‏الحجامة‏)‏ بكسر أوله بمعنى الاحتجام ‏(‏والمشي‏)‏ بفتح فكسر فتشديد تحتية فعيل من المشي، وفي بعض نسخ المشكاة بضم فبكسر وجوزه في المغرب وقال‏:‏ وهو ما يؤكل أو يشرب لإطلاق البطن‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ وإنما سمي الدواء المسهل مشياً لأنه يحمل شاربه على المشي والتردد إلى الخلاء ‏(‏لده أصحابه‏)‏ أي جعلوا في جانب فمه دواء بغير اختباره وهذا هو اللدود، فأما ما يصب في الحلق فيقال له الوجود، وقد وقع عند الطبراني من حديث العباس أنهم أذابوا قسطاً أي بزيت فلدوه به ‏(‏فلما فرغوا قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏لدوهم‏)‏ بصيغة الأمر ‏(‏قال‏)‏ أي ابن عباس ‏(‏فلدرا‏)‏ بصيغة الماضي المجهول‏.‏ وفي حديث عائشة عند الشيخين‏:‏ لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأشار أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم‏.‏ اللفظ لمسلم‏.‏ قال النووي‏:‏ إنما أمر صلى الله عليه وسلم بلدهم عقوبة لهم حين خالفنه في إشارته إليهم لا تلدوني ففيه أن الإشارة المفهمة كصريح العبارة في نحو هذه المسألة، وفيه تعزير المتعدي بنحو من فعله الذي تعدى به إلا أن يكون فعلاً محرماً انتهى‏.‏ قيل‏:‏ وإنما كره اللد مع أنه كان يتداوى لأنه تحقق أنه يموت في مرضه، ومن حقق ذلك كره له التداوي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر، والذي يظهر أن ذلك كان قبل التخيير والتحقق‏.‏ وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لدائه، لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمه ولم يكن به ذلك كما هو ظاهر في سياق الخبر كما ترى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وخير ما أكتحلتم به‏)‏ بالنصب وجوز رفعه ‏(‏الإثمد‏)‏ بكسر الهمزة والميم بينهما ثاء مثلثة ساكنة‏.‏ وحكى فيه ضم الحمرة حجر معروف أسود يضرب إلى الهمزة يكون في بلاد الحجاز وأجوده يؤتى من أصبهان قاله الحافظ‏.‏ وقال التوربشتي‏:‏ هو الحجر المعدني، وقيل هو الكحل الأصفهاني ينشف الدمعة والقروح ويحفظ صحة العين ويقوي غصنها لا سيما للشيوخ والصبيان ‏(‏فإنه‏)‏ أي الإثمد أو الاكتحال به ‏(‏يجلو البصر‏)‏ من الجلاء أي يحسن النظر ويزيد نور العين وينظف الباصرة لدفع الردية النازلة إليها من الرأس ‏(‏ينبت‏)‏ من الإنبات ‏(‏الشعر‏)‏ بفتح الشين والعين المهملة ويجوز إسكانها، والمراد به هنا الهدب وهو بالفارسية شره وهو الذي ينبت على أشفار العين ‏(‏مكحلة‏)‏ بضمتين بينهما ساكنة اسم آلة الكحل، وهو الميل على خلاف القياس، والمراد منها ههنا ما فيه الكحل ‏(‏يكتحل بها‏)‏ كذا في النسخ الموجودة بها، وفي جميع روايات الشمائل ‏"‏منها‏"‏ فالباء بمعنى من كما قيل في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يشرب بها عباد الله‏}‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسسن غريب‏)‏ وأخرجه الترمذي في باب الحجامة‏.‏

1364- باب مَا جَاءَ في كَرَاهِيَةَ بالكي

قال في القاموس‏:‏ كواه يكويه كياً أحرق جلده بحديدة ونحوها وهي المكواة والكية موضع الكي والكاوياء ميسم، واكتوى استعمل الكي في بدنه انتهى

2063- حَدّثنا محمدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا محمدُ بنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عن قَتَادَةَ عن الْحَسَنِ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الْكَيّ‏.‏ قالَ‏:‏ فابْتُلِينَا فاكْتَوَيْنَا فَماَ أَفْلَحْنَا ولاَ أَنْجَحْنَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2064- حدّثنا عَبْدُ الْقَدّوسِ بنُ محمدٍ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ، أخبرنا هَمّامٌ، عن قَتَادَةَ، عن الْحَسَنِ، عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قالَ‏:‏ ‏"‏نُهِينَا عن الْكَيّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ مسعودٍ وعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ وابن عَبّاسٍ‏.‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهي عن الكي‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ النهي فيه محمول على الكراهة أو على خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث، وقيل إنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور وكان موضعه خطراً فنهاه عن كيه، فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح‏.‏ وقال ابن قتيبة‏:‏ الكي نوعان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه‏:‏ لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر، والقدر لا يدافع‏.‏ والثاني كي الجرح إذا نغل أي فسد والعضو إذا قطع فهو الذي يشرع التداوي به، فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولى لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق‏.‏

وحاصل الجمع أن الفعل يدل على الجواز وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله، وكذا الثناء على تاركه‏.‏ وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه، وإما عما لا يتعين طريقاً إلى الشفاء انتهى‏.‏ كلام الحافظ ‏(‏فما أفلحنا ولا أنجحنا‏)‏ من الإنجاح أي فما فزنا ولا صرنا ذانجح، وفي رواية أبي داود‏:‏ فما أفلحن ولا أنجحن بنون الأناث فيهما، يعني تلك الكيات التي اكتوينا بهن وخالفنا النبي صلى الله عليه وسلم في فعلهن، وكيف يفلح وينجح شيء خولف فيه صاحب الشريعة‏.‏ وعلى هذا فالتقدير فاكتوينا كيات الأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة‏.‏ قال المنذري‏:‏ في تصحيح الترمذي نظر فقد ذكر غير واحد من الإئمة أن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين، وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث‏:‏ سنده قوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد القدوس بن محمد‏)‏ بن عبد الكبير بن شعيب بن الحجاب العطار البصري، صدوق من الحادية عشر ‏(‏أخبرنا عمرو بن عاصم‏)‏ هو الكلابي القيسي أبو عثمان البصري ‏(‏أخبرنا همام‏)‏ هو ابن يحيى الأزدي العوذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهينا‏)‏ بصيغة المجهول وهو في حكم المرفوع كما تقرر في مقره، أي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود وعقبة بن عامر وابن عباس‏)‏ أما حديث ابن مسعود وحديث عقبة بن عامر فأخر جهما الطحاوي في معاني الآثار، وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ الشفاء في ثلاث‏:‏ في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار‏.‏

1365- باب ما جَاءَ في الرّخْصَةِ في ذَلِك

أي في الكي

2065- حَدّثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، حدثنا يَزيِدُ بنُ زُرَيْعٍ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن الزّهْرِيّ عن أَنَسٍ ‏"‏أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كَوَى أَسْعَدَ بنُ زُرَارَةَ مِنَ الشّوْكَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن أُبَيّ وجَابِرٍ‏.‏ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى‏)‏ أي بيده أو أمر بأن يكوي أحد ‏(‏أسعد‏)‏ بفتح الهمزة والعين بينهما مهملة ‏(‏ابن زرارة‏)‏ بضم الزاي وفتح الراءين بينهما ألف وفي آخره تاء ‏(‏من الشوكة‏)‏ أي من أجلها وهي على ما في النهاية حمرة تعلو الوجه والجسد‏.‏ والحديث على الرخصة في الكي، وقد تقدم وجه الجمع بين احاديث هذا الباب وأحاديث الباب المتقدم في كلام الحافظ‏.‏ وقال الشوكاني في النيل قد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو الله سبحانه وتعالى، ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش، وهذان نوعان من أنواع الكي الأربعة وهما النهي عن الفعل وجوازه‏.‏ والثالث الثناء على تركه كحديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة‏.‏ والرابع عدم محبته كحديث الصحيحين وما أحب أن أكتوي‏.‏ فعدم محبته يدل على أن الأولى عدم فعله، والثناء على تركه يدل على أن تركه أولى‏.‏ فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي وجابر‏)‏ أخرج أحمد ومسلم عن جابر قال‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه‏.‏ وعن جابر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين رواه ابن ماجة وروى مسلم معناه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار‏.‏

1366- باب مَا جَاءَ في الْحِجَامَة

في المصباح حجمه الحاجم حجماً من باب قتل شرطه، واسم الصناعة حجامة بالكسر انتهى‏.‏ والشرط بالفارسية نشترزون

2066- حَدّثنا عَبْدُ القُدّوسِ بنُ محمدٍ، حدثنا عَمْرُو بن عَاصِمٍ، حدثناهَمّامٌ وجَرِيرُ بنُ حَازِمٍ، قالاَ‏:‏ حدثنا قَتَادَةُ عن أَنَسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَجِمُ في الأَخْدَعَيْنِ والكَاهِلِ، وَكانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ ومَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ‏.‏ وهذا حديثٌ حسنٌ غريب‏.‏

2067- حدّثنا أَحمدُ بنُ بُدَيْلٍ بنِ قُرَيْشٍ اليَامِيّ الكُوفِيّ، أخبرنا محمدُ بنُ فُضَيْلٍ، أخبرنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ أَسْحَاقَ عن القَاسِمِ بنِ عَبْدِ الرحمنِ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ عن أَبِيِه عن ابنِ مَسْعُود قالَ‏:‏ ‏"‏حَدّثَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِهِ أَنّهُ لَمْ يَمُرّ على مَلأٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ إِلاّ أَمَرُوهُ‏:‏ أَنْ مُرْ أُمَتّكَ بِالْحِجَامَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ‏.‏

2068- حدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا النَضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، حدثنا عَبّادُ بنُ مَنْصُورٍ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يقول‏:‏ ‏"‏كانَ لابنِ عَبّاس غِلْمَةٌ ثلاثة حَجّامُونَ، فكانَ اثْنانِ يُغِلاّن عليِه وعلى أَهْلِهِ، وَوَاحِدٌ يَحْجِمُهُ وَيَحْجِمُ أَهْلَهُ‏.‏ قالَ‏:‏ وقالَ ابنُ عَبّاسٍ‏:‏ قالَ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏نِعْمَ العَبْدُ الْحَجّامُ يَذْهَبُ بالدّمِ، ويُخِفّ الصّلْبَ ويَجْلُو عن البَصَرِ‏"‏‏.‏ وقالَ‏:‏ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم حَيْثُ عُرِجَ بِه مَا مَرّ على مَلأٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ إِلاّ قالُوا عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ‏.‏ وقالَ‏:‏ إِنّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فيِه يَوْمُ سَبْعَ عَشْرَةَ وَيَوْمُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَيَوْمُ إِحْدَى وعِشْرِينَ‏.‏ وقالَ‏:‏ إِنّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السّعوطُ والّلدُودُ والْحِجَامَةُ والمَشِيّ، وإِنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَدّهُ العَبّاسُ وأَصْحَابُهُ‏.‏ فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ مَنْ لَدّنِي‏؟‏ فَكُلّهُمْ أَمْسَكُوا فقالَ‏:‏ لا يَبْقَى أَحَدٌ مِمّنْ في البَيْتِ إِلاّ لُدّ غَيْرُ عَمّهِ العَبّاسِ‏"‏ قالَ النّضْرُ‏:‏ اللدُودُ الوجور‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عَبّادِ بن مَنْصُورٍ‏.‏ وفي الباب عن عائشة

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل‏)‏ قال الشوكاني في النيل‏:‏ قال أهل اللغة‏:‏ الأخدعان عرقان في جانبي العنق يحجم منه، والكاهل ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر‏.‏ قال ابن القيم في الهدى‏:‏ الحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف إذا كان حدوث ذلك من كثرة الدم أو فساده أو منهما جميعاً، قال‏:‏ والحجامة لأهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجية إلى سطح الجسد واجتماعهما في نواحي الجلد، ولأن مسام أبدانهم واسعة، ففي القصد لهم خطر انتهى‏.‏ وقال أهل العلم بالطب‏:‏ فصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمراض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك، وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دموياً ولا سيما إن كان فسد، وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد، وقصد الودجين لوجع الطحال والربو ووجع الجبين، والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب عن فصد الباسليق، والحجامة على الأخدعين تنفع من كإمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين والأسنان والأنف والحلق، وتنوب عن فصد الفيفال، والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس، والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وهو عرق عند الكعب، وتنفع من قروح الفخدين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الأنثيين، والحجامة على أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخد وجربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر، ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه‏.‏ والحجامة على المقعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض ‏(‏وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين‏)‏ قد عقد البخاري باباً في صحيحه بلفظ‏:‏ باب أي ساعة يحتجم، وذكر فيه أثر أبي موسى أنه احتجم ليلاً وحديث ابن عباس‏:‏ احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شيء على شرطه، فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج ولا تتقيد بوقت دون وقت لأنه ذكر الاحتجام ليلاً وذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهاراً‏.‏ وعند الأطباء أن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة وأن لا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام أو غيرهما، ولا عقب شبع ولا جوع‏.‏ وقد ورد في تعيين الأيام للحجامة حديث لابن عمر عند ابن ماجة رفعه في أثناء حديث وفيه‏:‏ فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد، أخرجه من طريقين ضعيفين وله طريق ثالثة ضعيفة أيضاً عند الدارقطني في الأفراد، وأخرجه بسند جيد عن ابن عمر موقوفاً، ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت‏.‏ وحكى أن رجلاً احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث‏.‏ وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها‏.‏ وورد في عدد من الشهر أحاديث منها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه‏:‏ من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء‏.‏ وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل بن أبي صالح، وسعيد وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد والترمذي ورجاله ثقات لكنه معلول، وله شاهد آخر من حديث أنس عند ابن ماجة وسنده ضعيف، وهو عند الترمذي من وجه آخر عن أنس لكن من فعله صلى الله عليه وسلم، ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شيء قال حنبل بن إسحاق‏:‏ كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت‏.‏ وقد أتفق الأطباء على أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر، ثم في الربع الثالث من أرباعه أنفع من الحجامة في أوله وآخره، قال الموفق البغدادي‏:‏ وذلك أن الأخلاط في أول الشهر تهيج وفي آخره تسكن، فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس ومعقل بن يسار‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب‏.‏ وروى البخاري عنه قال‏:‏ احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به‏.‏ وله في هذا الباب غير هذين الحديثين‏.‏ وأما حديث معقل بن يسار فأخرجه حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد عنه مرفوعاً‏:‏ الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء السنة، وليس إسناده بذاك، كذا في المنتقي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود وابن ماجة، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره‏.‏ وفي النيل قال النووي عند الكلام على هذا الحديث‏:‏ رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، وصححه الحاكم أيضاً، ولكن ليس في حديث أبي داود المذكور الزيادة وهي قوله‏:‏ وكان يحتجم لسبع عشرة الخ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن فضيل‏)‏ هو الضبي مولاهم الكوفي ‏(‏حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق‏)‏ هو أبو شيبة الواسطي ‏(‏عن القاسم بن عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن مسعود‏)‏ قال في التقريب‏:‏ القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة عابد من الرابعة ‏(‏عن أبيه‏)‏ أي عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود الهذلي الكوفي ثقة من صغار الثانية مات سنة تسع وسبعين، وقد سمع من أبيه، قاله في التقريب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة‏)‏ بالجر منونة، ويجوز فتحها مضافة إلى قوله ‏(‏أسرى به‏)‏ على بناء المفعول ‏(‏أنه لم يمر على ملإ‏)‏ أي جماعة عظيمة تملأ العين ‏(‏أن‏)‏ تفسيرية ‏(‏مر‏)‏ أمر مخاطب من أمر يأمر قال القاري‏:‏ بيان للأمر الذي اتفق عليه الملأ الأعلى‏.‏ والأمر للندب‏.‏ ويدل على تأكيده أمرهم جميعاً وتقريره صلى الله عليه وسلم ونقله عنهم، والظاهر أنه بأمر من الله لهم أيضاً ‏(‏أمتك بالحجامة‏)‏ قال أهل المعرفة‏:‏ إن المخاطب بأحاديث الحجامة غير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم‏.‏ وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال‏:‏ إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم، قال الطبري‏:‏ وذلك لأنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوة جسده فلا ينبغي أن يزيده وهناً بإخراج الدم انتهى‏.‏ وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه، وعلى من لم يعتده‏.‏ وقد قال ابن سينا في أرجوزته‏.‏

ومن يكون تعود الفصادة فلا يكن يقطع تلك العادة

ثم أشار إلى أنه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين‏.‏ وقال ابن سينا في أبيات أخرى‏:‏

ووفر على الجسم الدماء فإنهالصحة جسم من أجل الدعائم

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة من حديث أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكان اثنان يغلان عليه وعلى أهله‏)‏ بضم التحتية وكسر المعجمة من الإغلال أي يعطيان الغلة وهي ما يحصل من أجرة العبد‏.‏ قال في القاموس‏:‏ الغلة الدخلة من كراء دار وأجرة غلام وفائدة أرض انتهى ‏(‏ويخف‏)‏ من الإخفاف ‏(‏الصلب‏)‏ أي الظهر ‏(‏ويجلو عن البصر‏)‏ القذي والرمص ونحو ذلك ‏(‏وقال‏)‏ أي ابن عباس ‏(‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عرج به‏)‏ أي حين أسرى به إلى السماء ‏(‏ما مر‏)‏ أي هو ‏(‏عليك بالحجامة‏)‏ أي الزمها لزوماً مؤكداً ‏(‏إن خير ما تحتجمون فيه‏)‏ أي من الأيام ‏(‏يوم سبع عشرة‏)‏ لفظ يوم مضاف مرفوع على أنه خبر إن ‏(‏وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لده العباس‏)‏ هذا مخالف لما في حديث عائشة عند الشيخين‏:‏ لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم، فما في الصحيحين أصح وأرجح ‏(‏فكلهم أمسكوا‏)‏ أي أسكتوا‏.‏ ففي القاموس‏:‏ أمسك عن الكلام سكت ‏(‏غير عمه العباس‏)‏ قيل لأنه كان صائماً أو لتكريمه قلت‏:‏ علة عدم لدود العباس مصرحة في حديث عائشة بقوله‏:‏ فإنه لم يشهدكم فهي المعتمد عليها ‏(‏قال النضر اللدود الوجود‏)‏ جعل النضر اللدود والوجود واحداً وفرق بينهما الحافظ كماعرفت وهو الصحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عائشة‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الحاكم‏:‏ بتمامه مفرقاً في ثلاثة أحاديث، وقال في كل منهما‏:‏ صحيح الأسناد، كذا في الترغيب للمنذري‏.‏

1367- باب ما جَاءَ في التّدَاوي بالحِنّاء

2069- حدّثنا أحمدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا حَمّادُ بنُ خَالِدٍ الْخَيّاطُ، أخبرنا فائِدٌ مَوْلَى لاَلِ أَبِي رَافِعٍ، عن عَلِيّ بنِ عُبَيْدِ الله عن جَدّتِهِ سلمى، وكانَتْ تَخْدِمُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَتْ‏:‏ ‏"‏ما كَانَ يَكُونُ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قُرْحَةٌ ولا نَكْبَةٌ إلاّ أَمَرَني رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَضَعَ عليها الحِنّاءَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ إِنَمّا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ فَائِدٍ‏.‏ ورَوَى بَعْضُهُمْ هذا الحديث عن فَائِدٍ وقال‏:‏ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ عَليّ عن جَدّتِهِ سَلْمَى، وعُبَيْدُ الله بنُ عَلي أَصَحّ ويُقالُ سُلمى‏.‏

2070- حدّثنا محمدُ بنُ العَلاَءِ حدثنا زَيْدُ بنُ حُبَابٍ عن فَائِدٍ مَوْلَى عُبَيْدِ الله بنِ عَلِيّ، عن مَوْلاَهُ عُبَيْدِ الله بنِ عَليّ، عن جَدّتِهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا فائد مولى لاَل أبي رافع‏)‏ قال في التقريب‏:‏ فائد مولى عبادل باللام صدوق انتهى‏.‏ وقال فيه عبيد الله بن علي بن أبي رافع المدني‏:‏ يعرف بعبادل، ويقال فيه علي بن عبيد الله لين الحديث‏.‏ وقال في الخلاصة‏:‏ فائد مولى عبادل وهو عبيد الله بن علي بن أبي رافع روى عنه، وعنه زيد بن الحباب، وثقه ابن معين ‏(‏عن علي بن عبيد الله‏)‏ إعلم أن عبادل وعبيد الله بن علي وعلي بن عبيد الله ثلاثتهم واحد كما عرفت آنفاً من عبارة التقريب فهو عبيد الله بن علي بن أبي رافع وعبادل لقبه ويقال فيه علي بن عبيد الله، والصواب عبيد الله بن علي، روى عن جدته أم رافع وعنه مولاه فائد، وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم‏:‏ لا يحتج به وليس بمنكر الحديث‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ لابأس به ‏(‏عن جدته‏)‏ سلمى أم رافع زوج أبي رافع لها صحبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما كان‏)‏ أي الشأن ‏(‏يكون‏)‏ أي يوجد ويقع ‏(‏برسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يحتمل أن يكون الثاني زائداً وأن يكون غير زائد بالتأويل أي ما كان قرحة تكون برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى‏.‏ والقرحة بفنح القاف ويضم جراحة من سيف وسكين ونحوه، ومنه قوله تعالى ‏{‏إن يمسسكم قرح‏}‏ وقد قرئ فيه بالوجهين والأكثر على الفتح ‏(‏ولا نكبة‏)‏ بفتح النون جراحة من حجر أو شوك ولا زائدة للتأكيد ‏(‏أن أضع عليه الحناء‏)‏ لأنه ببرودته يخفف حرارة الجراحة وألم الدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ لم يحكم عليه الترمذي بشيء من الصحة أو الحسن أو الضعف، والظاهر أنه حديث حسن والله تعالى أعلم‏.‏ والحديث أخرجه ابن ماجه أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعبيد الله بن علي أصح‏)‏ من علي بن عبيد الله‏.‏ وقال الحافظ في التقريب‏:‏ علي بن عبيد الله بن أبي رافع الصواب عبيد الله بن علي بن أبي رافع‏.‏

1368- باب ما جاءَ في كَراهِيَةِ الرّقْيَة

بضم الراء وسكون القاف‏.‏ قال الجزري في النهاية‏:‏ الرقية العوذة التي يرقى بها صاحب الاَفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الاَفات

2071- حَدّثنا محمد بن بشار، حدثنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيّ، حدثنا سفيانُ عن مَنْصُورٍ عن مُجَاهِدٍ عن عَقّارِ بنِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ عن أَبِيِه قال‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من اكْتَوَى أو اسْتَرْقَى فقد بَرئَ مِنَ التّوَكّلِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن ابنِ مَسْعُودٍ وابنِ عَبّاسٍ وعِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عقار بن المغيرة بن شعبة‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عقار بفتح أوله وتشديد القاف وآخره راء ابن المغيرة بن شعبة الثقفي الكوفي صدوق من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من اكتوى أو استرقى فهو بريء من التوكل‏)‏ لفعله ما الأولى التنزه عنه، وهذا فيمن فعل معتمداً عليها لا على الله، قاله المناوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن مسعود وابن عباس وعمران بن حصين‏)‏‏.‏ أما حديث ابن مسعود فأخرجه أبو داود بطوله وفيه‏:‏ إن الرقى والتمائم والتولة شرك، الحديث‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في صفة القيامة بعد باب صفة أواني الحوض‏.‏ وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الطحاوي عنه مرفوعاً‏:‏ يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، قيل يا رسول من هم‏؟‏ قال‏:‏ هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك‏.‏ وأحاديث الباب تدل على كراهة الرقية‏.‏ وفي الباب أحاديث أخرى وسيأتي في الباب الاَتي وجه الجمع بينها وبين الأحاديث التي تدل على جواز الرقية‏.‏

1369- باب ماَ جَاءَ في الرّخْصَةِ في ذَلِك

2072- حَدّثنا عَبْدَةُ بنُ عَبْدِ الله الْخُزَاعِيّ حدثنا مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ عن سُفْيَانَ عن عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عن عَبْدِالله بنِ الحَارثِ عن أَنَسٍ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَخّصَ في الرّقْيَةِ مِنَ الْحُمّةِ والعَيْنِ والنّمْلَةِ‏"‏‏.‏

2073- حدّثنا محمود بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا يَحْيَى بن آدَمَ وأَبُو نُعَيْمٍ قالا‏:‏ حدثنا سُفْيَانُ عن عَاصِمٍ الأَحْوَل عن يُوسُفَ بنِ عَبْدِ الله بنِ الْحَارِثِ عن أَنَسِ بنِ مالِكٍ ‏"‏أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم رَخّصَ في الرّقْيَةِ مِنَ الْحُمّةِ والنّمْلَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا عِنْدِي أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بنِ هِشَامٍ عن سُفْيَانَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن بُرَيْدَةَ وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وجَابِرٍ وعَائِشَةَ وَطَلْقِ بنِ عَلِيَ وعَمْرِو بنِ حَزْمٍ وَأَبِي خِزَامَةَ عن أَبِيِه‏.‏

2074- حدّثنا ابنُ أَبِي عُمَر حدثنا سُفْيَانُ عن حُصَيْنٍ عن الشّعْبيّ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لاَ رُقْيَةَ إِلاّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمّةٍ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَرَوى شُعْبَةُ هذا الحديثَ عن حُصَيْنٍ عن الشّعبِيّ عن بُرَيْدَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رخص في الرقية من الحمة‏)‏ قال الجزري بالتخفيف السم وقد يشدد وأنكره الأزهري ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة، لأن السم منها يخرج وأصلها حمو أو حمي بوزن صرد والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة أو الياء انتهى‏.‏ ‏(‏والعين‏)‏ أي ومن إصابة عين الجن أو الإنس ‏(‏والنملة‏)‏ بفتح النون وسكون الميم قال الجزري‏:‏ النملة قروح تخرج في الجنب انتهى‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ الرخصة إنما تكون بعد النهي، وكان صلى الله عليه وسلم قد نهي عن الرقي لما عسى أن يكون فيها من الألفاظ الجاهلية، فانتهى الناس عن الرقي فرخص لهم فيها إذا عريت عن الألفاظ الجاهلية انتهى‏.‏ وحديث أنس هذا أخرجه أيضاً أحمد ومسلم وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يوسف بن عبد الله بن الحارث‏)‏ الأنصاري مولاهم، كنيته أبو الوليد البصري، ثقة من الخامسة‏.‏ قاله الحافظ في التقريب‏.‏ وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن أبيه وأنس بن مالك وغيرهما، وعنه عاصم الأحول وغيره انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا‏)‏ أي حديث يحيى بن آدم وأبي نعيم، عن سفيان عن عاصم عن يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أنس ‏(‏أصح من حديث معاوية بن هشام عن سفيان‏)‏ أي عن عاصم الأحوال عن عبد الله بن الحارث الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن بريدة وعمران بن حصين وجابر وعائشة وطلق بن علي وعمرو بن حزم وأبي خزامة عن أبيه‏)‏ أما حديث بريدة فأخرجه مسلم وابن ماجة بلفظ‏:‏ لا رقية إلا من عين أو حمة‏.‏ وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الترمذي بعد هذا‏.‏ وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقي فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب وأنت نهيت عن الرقي فعرضوها عليه فقال‏:‏ ما أرى بها بأساً من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه‏.‏ وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها قالت‏:‏ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسترقى من العين‏.‏ ولها حديث آخر أخرجه الشيخان أيضاً قالت‏:‏ رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة‏.‏ وأما حديث طلق بن علي فأخرجه الطحاوي عنه قال‏:‏ كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغتني عقرب فجعل يمسحها ويرقيه‏.‏ وأما حديث عمرو بن حزم فأخرجه ابن ماجة عنه قال‏:‏ عرضت أو أعرضت النهشة من الحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها‏.‏ وأما حديث أبي خزامة عن أبيه، فأخرجه الترمذي في باب‏:‏ لا ترد الرقى والدواء من قدر الله شيئاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا رقية إلا من عين أو حمة‏)‏ ليس معناه أنه لا يجوز الرقية من غيرهما لأنه قد ثبت الرقية من غيرهما إنما معناه لا رقية أولى وأنفع منهما، والحديث أخرجه أيضاً أحمد وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى شعبة هذا الحديث عن حصين عن الشعبي عن بريدة‏)‏، ووقع في بعض النسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله بعد قوله عن بريدة‏.‏ قال البخاري في صحيحه في باب من أكتوى‏:‏ حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا ابن فضيل قال حدثنا حصين عن عامر عن عمران بن حصين قال‏:‏ لا رقية إلا من عين أو حمة فذكرته لسعيد بن جبير، فقال حدثنا ابن عباس فقال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ عرضت على الأمم الحديث‏.‏

قال الحافظ‏:‏ قوله عن عمران بن حصين قال‏:‏ لا رقية إلا من عين أو حمة، كذا رواه محمد بن فضيل عن حصين موقوفاً، ووافقه هشيم وشعبة عن حصين على وقفه، ورواية هشيم عند أحمد ومسلم ورواية شعبة عند الترمذي تعليقاً ووصلها بن أبي شيبة ولكن قالا عن بريدة بدل عمران ابن حصين، وخالف الجميع مالك بن مغول عن حصين فرواه مرفوعاً وقال عن عمران بن حصين أخرجه أحمد وأبو داود، وكذا قال ابن عيينة عن حصين أخرجه الترمذي، وكذا قال إسحاق بن سليمان عن حصين أخرجه ابن ماجة انتهى‏.‏

وأحاديث الباب تدل على جواز الرقية فهي مخالفة لأحاديث النهي المتقدمة في الباب المتقدم‏.‏

قال الحافظ ابن الأثير الجزري في النهاية‏:‏ وجه الجمع بينهما أن الرقي يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة، وأن يعتقد أن الرقيا نافعة لا محالة فيتكل عليها وإياها أراد بقوله‏:‏ ما توكل من استرقى‏.‏ ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك كالتعوذ بالقرآن وأسماء الله تعالى والرقى المروية، ولذلك قال للذي رقى بالقرآن وأخذ عليه أجراً من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق‏.‏ وكقوله في حديث جابر إنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ اعرضوها على فعرضناها فقال‏:‏ لابأس بها إنما هي مواثيق كأنه خاف أن يقع فيها شيء مما كانوا يتلفظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية، وما كان بغير اللسان العربي مما لا يعرف له ترجمة ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله‏.‏ وأما قوله لا رقية إلا من عين أو حمة، فمعناه لا رقية أولى وأنفع، وهذا كما قيل لا فتى إلا علي‏.‏ وقد أمر عليه الصلاة والسلام غير واحد من أصحابه بالرقية وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم‏.‏ وأما الحديث الاَخر في صفة أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، فهذه من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شيء من علائقها، وتلك درجة الخواص لا يبلغها غيرهم‏.‏ فأما العوام فمرخص لهم في التداوي والمعالجات، ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص، ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء‏.‏ ألا ترى أن الصديق لما تصدق بجميع ماله لم ينكر عليه علماً منه بيقينه وصبره، ولما أتاه الرجل بمثل بيضة الحمام من الذهب وقال لا أملك غيره ضربه به بحيث لو أصابه لعقره، وقال فيه ما قال، انتهى‏.‏ ما قاله الجزري في النهاية‏.‏

1370- باب ما جَاءَ في الرّقْيَةِ بالمُعَوّذَتَيْن

2075- حَدّثنا هِشَامُ بنُ يُونَسَ الكُوفِيّ حدثنا القَاسِمُ بنُ مَالِكٍ المُزَنِيّ عن الْجُرَيْرِيّ عن أَبِي نَضْرَةَ عن أَبِي سَعِيدٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتَعَوّذُ من الْجَانّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتّى نَزَلَتْ المُعَوّذَتَانِ، فَلَمّا نزلتا أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ ما سِوَاهُمَا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن أَنَسٍ‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ غَرِيبٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتعوذ من الجان وعين الإنسان‏)‏ أي يقول أعوذ بالله من الجان وعين الإنسان ‏(‏حتى نزلت المعوذتان‏)‏ أي قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ‏(‏أخذ بهما وترك ما سواهما‏)‏ مما كان يتعوذ به من الكلام غير القرآن لما تضمنتاه من الاستعاذة من كل مكروه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه النسائي وابن ماجة والضياء‏.‏

1371- باب ما جَاءَ في الرّقْيَةِ منَ العَيْن

قال في النهاية‏:‏ يقال أصابت فلاناً عين‏:‏ إذا نظر إليه عدو أو حسود فأثرت فيه فمرض بسببها، يقال عانه يعينه عيناً فهو عائن إذا أصابه بالعين، والمصاب معين انتهى

2076- حَدّثنا ابنُ أَبِي عُمَر، حدثنا سُفْيانُ عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عن عُرْوَةَ وَهُوَ أَبو حاتم بْنُ عَامِرٍ عن عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ الزّرَقِيّ ‏"‏أَنّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ قالَتْ‏:‏ يا رسولَ الله إِنّ وَلَدَ جَعْفرٍ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ العَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ‏؟‏ فقالَ‏:‏ نَعَمْ، فإِنّهُ لَوْ كَانَ شَيْءَ سَابِقُ القَدَرِ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وبُرَيْدَةَ‏.‏ وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وقد رُوِيَ هذا عن أَيّوبَ عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عن عُرْوَةَ بن عَامِرٍ عن عُبَيْدِ بنِ رِفَاعَةَ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

2077- حدّثنا بذلكَ الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، أخبرنا عَبْدُ الرّزّاقِ عن مَعْمَرٍ عن أَيّوبَ بهذا‏.‏

2078- حَدّثنا محمودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا عَبْدُ الرّزّاق ويَعْلَى عن سُفْيَانَ عن مَنْصُورٍ عن المِنْهَالِ بنِ عَمْرٍو عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏كانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعَوّذُ الْحَسَنَ والحُسَيْن يَقُولُ‏:‏ أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ الله التّامّةِ، مِنْ كُلّ شَيْطَانٍ وهَامّةٍ، ومِنْ كُلّ عَيْنٍ لاَمّةٍ‏.‏ وَيَقُولُ‏:‏ هَكَذَا كانَ إبراهيمُ يُعَوّذُ إِسْحَاقَ وإِسْمَاعِيلَ عليهم السلام‏"‏‏.‏

2079- حدّثنا الْحَسَنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ وعَبْدُ الرّزّاقِ عن سُفْيَانَ عن مَنْصُورٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عروة وهو أبو حاتم بن عامر‏)‏ قال في التقريب‏:‏ عروة بن عامر المكي مختلف في صحبته، له حديث في الطيرة، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين‏.‏ ‏(‏عن عبيدة بن فاعة الزرقي‏)‏ ويقال فيه عبيد الله، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وثقه العجلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أسماء بنت عميس‏)‏ بالتصغير ‏(‏إن ولد جعفر‏)‏ قال القاري‏:‏ بضم واو فسكون لام، وفي نسخة يعني من المشكاة بفتحهما، أي أولاد جعفر منها أو من غيرها ‏(‏تسرع‏)‏ بضم التاء وكسر الراء ويفتح أي تعجل ‏(‏إليهم العين‏)‏ أي تؤثر فيهم سريعاً لكمال حسنهم الصوري والمعنوي، والعين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر قاله الحافظ ‏(‏أفأسترقي لهم‏)‏ أي أطلب الرقية أو من يرقي لهم ‏(‏فإنه‏)‏ تعليل للجواب، ومعناه نعم استرقى عن العين فإنها أولى وأحرى بأن تسترقي ‏(‏لو كان شيء سابق القدر‏)‏ أي غالبه في السبق ‏(‏لسبقته العين‏)‏ أي لغلته العين، قال الطيبي‏:‏ المعنى إن فرض شيء له قوة وتأثير عظيم سبق القدر لكان عيناً والعين لا يسبق فكيف بغيرها انتهى‏.‏

ومذهب أهل السنة أن العين يفسد ويهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عمران بن حصين الخ‏)‏ أما حديث عمران بن حصين فأخرجه الترمذي في باب الرخصة في الرقية‏.‏ وأما حديث بريدة فقد تقدم تخريجه في الباب المذكور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏‏.‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والطحاوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقول أعيذكما‏)‏ هذا بيان وتفسير لقوله يعوذ ‏(‏بكلمات الله‏)‏ قيل هي القرآن، وقيل أسماؤه وصفاته ‏(‏التامة‏)‏ قال الجزري‏:‏ إنما وصف كلام بالتمام لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب كما يكون في كلام الناس، وقيل معنى التمام ههنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الاَفات وتكفيه انتهى ‏(‏من كل شيطان وهامة‏)‏ الهامة كل ذات سم يقتل والجمع الهوام، فأما ما يسم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور‏.‏ وقد يقع الهوام على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات كذا في النهاية ‏(‏ومن كل عين لامة‏)‏ أي من عين تصيب بسوء‏.‏ قال في النهاية‏:‏ اللهم طرف من الجنون يلم بالإنسان أي يقرب منه ويعتريه، ومنه حديث الدعاء أعوذ بكلمات الله التامة، من شر كل سامة، ومن كل عين لامة‏.‏ أي ذات لمم، ولذلك لم يقل ملمة وأصلها من ألممت بالشيء ليزاوج قوله من شر كل سامة انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه ابن ماجة‏.‏

1372- باب ما جاَءَ أَنّ العَيْنَ حقّ والغسْلُ لها

أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه‏.‏ قال المازري‏:‏ أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى لأن كل شيء ليس محالاً في نفسه، ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الاَخرة

2080- حَدّثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيَ، أخبرنا يَحْيَى بنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسّانٍ العَنْبَرِيّ، أخبرنا عَلِيّ بنُ المُبَارَكِ عن يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ حدثني حَيّةُ بنُ حَابِسٍ التّمِيمِيّ، حدثني أَبِي أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏لاَ شَيْءَ في الْهَامِ والعَيْنُ حَقّ‏"‏‏.‏

2081- حدّثنا أَحمدُ بنُ الْحَسَنِ بنِ خِرَاشٍ البَغْدَادِيّ أخبرنا أَحمدُ بنُ إِسحاقَ الْحَضْرَمِيّ أخبرنا وُهَيْبٌ عن ابنِ طَاوسٍ عن أَبِيِه عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَو كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ القَدَرِ لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ، إذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ وحدِيثُ حَيّةَ بنِ حَابِسٍ حديثٌ غريبٌ ورَوَى شَيْبَانُ عن يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ عن حَيّةَ بنِ حَابِسٍ عن أَبِيِه عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وعَلِيّ بنُ المُبَارَكِ وحَرْبُ بنُ شَدّادٍ لا يَذْكُرَانِ فِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أبو حفص عمرو بن علي‏)‏ هو الفلاس الصيرفي الباهلي البصري‏.‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن كثير‏)‏ بن درهم ‏(‏أبو غسان العنبري‏)‏ مولاهم البصري، ثقة من التاسعة، ووقع في النسخة الأحمدية‏.‏ أخبرنا يحيى بن كثير أخبرنا أبو غسان العنبري بزيادة لفظ ‏"‏نا‏"‏ بين أخبرنا يحيى بن كثير وأبو غسان العنبري وهو غلط‏.‏ ‏(‏أخبرنا علي بن المبارك‏)‏ هو الهنائي ‏(‏عن يحيى بن كثير‏)‏ هو الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ‏(‏حدثني حية بن حابس‏)‏ بمهملتين، وقبل السين موحدة التميمي مقبول من الثالثة، ووهم من زعم أن له صحبة كذا في التقريب ‏(‏حدثني أبي‏)‏ أي حابس التميمي‏.‏ قال في تهذيب التهذيب في ترجمته‏:‏ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه إبنه حية حديث‏:‏ لاشيء في الهام‏.‏ صرح البخاري بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وتبعه أبو حاتم، وذكره البغوي في الصحابة وقال‏:‏ لا أعلم له غير هذا الحديث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا شيء في الهام‏)‏ أي لا شيء مما يعتقدون في الهام‏.‏ قال النووي‏:‏ الهامة هي بتخفيف الميم على المشهور الذي لم يذكر الجمهور غيره، وقيل بتشديدها‏.‏ قاله جماعة وحكاه القاضي عن أبي زيد الأنصاري الإمام في اللغة، قال‏:‏ وفيها تأويلان أحدهما أن العرب كانت تتشاءم بها وهي الطائر المعروف من طير الليل، وقيل هي البومة، قالوا كانت إذا سقطت على دار احدهم فرآها ناعية له نفسه أو بعض أهله، وهذا تفسير مالك بن أنس، والثاني أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت وقيل روحه، ينقلب هامة تطير، وهذا تفسير أكثر العلماء وهو المشهور‏.‏ ويجوز أن يكون المراد النوعين فإنهما جميعاً باطلان، فبين النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ذلك وضلالة الجاهلية فيما يعتقده من ذلك ‏(‏والعين‏)‏ أي أثرها ‏(‏حق‏)‏ لا بمعنى أن لها تأثيراً بل بمعنى أنها سبب عادي كسائر الأسباب العادية بخلق الله تعالى عند نظر العائن إلى شيء وإعجابه ما شاء من ألم أو هلكة‏.‏ قال المازري‏:‏ وقد زعم بعض الطبائعيين المثبتين للعين أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد، قالوا ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب تتصل باللديغ فيهلك وإن كان غير محسوس لنا، فكذا العين‏.‏ قال‏:‏ وهذا غير مسلم لأنا بينا في كتب علم الكلام أن لا فاعل إلا الله تعالى، وبينا فساد القول بالطبائع، وبينا أن المحدث لا يفعل في غيره شيئاً، وإذا تقرر هذا بطل ما قالوه، ثم تقول هذا المنبعث من العين إما جوهر وإما عرض فباطل أن يكون عرضاً لأنه لا يقبل الانتقال، وباطل أن يكون جوهراً لأن الجواهر متجانسة فليس بعضها بأن يكون مفسداً لبعضها بأولى من عكسه، فبطل ما قالوه، قال أو قرب طريقه قالها من ينتحل الإسلام، منهم أن قالوا لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم، عادة أجراها الله تعالى وليست ضرورة ولا طبيعة إلجاء العقل إليها‏.‏ ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله سبحانه وتعالى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص آخر، وهل ثم جواهر خفية أم لا‏؟‏ هذا من مجوزات العقول لا يقطع فيه بواحد من الأمرين وإنما يقطع بنفي الفعل عنها وبأضافته إلى الله تعالى، فمن قطع أطباء الإسلام بانبعاث الجواهر فقد أخطأ في قطعه، وإنما هو من الجائزات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن إسحاق‏)‏ بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي أبو إسحاق البصري ثقة‏.‏ كان يحفظ من التاسعة ‏(‏أخبرنا وهيب‏)‏ بالتصغير ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت لكنه تغير قليلاً بآخره من السابعة كذا في التقريب ‏(‏عن ابن طاوس‏)‏ هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني أبو محمد، ثقة فاضل عابد من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو كان شيء سابق القدر‏)‏ بالتحريك أي لو أمكن أن يسبق شيء القدر في إفناء شيء وزواله قبل أوانه المقدر له ‏(‏لسبقته‏)‏ أي القدر ‏(‏العين‏)‏ لكنها لا تسبق القدر، فإنه تعالى قدر المقادير قبل الخلق‏.‏

قال الحافظ‏:‏ جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء، إذ القدر عبارة عن سابق علم الله وهو لاراد لأمره‏.‏ وحاصله لو فرض أن شيئاً له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها انتهى‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه إثبات القدر وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة، ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها عمله‏.‏ فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى وفيه صحة أمر العين وأنها قوية الضرر انتهى‏.‏ ‏(‏وإذا استغسلتم‏)‏ بصيغة المجهول أي إذا طلبتم للاغتسال ‏(‏فاغسلوا‏)‏ أطرافكم عند طلب المعيون ذلك من العائن، وهذا كان أمراً معلوماً عندهم، فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم، وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل في ذلك، وظاهر الأمر الوجوب‏.‏ وحكى المازري فيه خلافاً وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين‏.‏ وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى، ولم يبين في هذا الحديث صفة الاغتسال وقد وقعت في حديث سهل بن حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الحجفة اغتسل سهل ابن حنيف وكان أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فليط، أي صرع وزناً ومعنى أي سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تتهمون به من أحد‏؟‏ قالوا عامر بن ربيعة فدعا عامراً فتغيظ عليه، فقال علام يقتل أحدكم أخاه‏؟‏ هلا إذ رأيت ما يعجبك بركت ثم قال اغتسل له، فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس‏.‏ لفظ أحمد من رواية أبي أويس عن الزهري، ولفظ النسائي من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري بهذا السند أنه يصب صبة على وجهه بيده اليمنى وكذلك سائر أعضائه صبة صبة في القدح، وقال في آخره ثم يكفأ القدح وراءه على الأرض، ووقع في رواية ابن ماجة من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو غيسل فذكر الحديث، وفيه فليدع بالبركة ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه‏.‏ قال سفيان قال معمر عن الزهري‏:‏ وأمر أن يكفأ الأناء من خلفه‏.‏ قال المازري‏:‏ المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن، وقد ظن بعضهم أن داخلة الإزار كناية عن الفرج انتهى‏.‏ وزاد عياض أن المراد ما يلي جسده من الإزار، وقيل أراد موضع الإزار من الجسد وقيل أراد وركه لأنه، معقد الإزار‏.‏ والحديث في الموطأ وفيه عن مالك، حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أباه يقول‏:‏ اغتسل سهل فذكر نحوه، وفيه‏:‏ فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء، فوعك سهل مكانه واشتد وعكه، وفيه‏:‏ ألا بركت إن العين حق، توضأ له، فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس‏.‏

تنبيه‏:‏

قال المازري‏:‏ هذا المعنى مما لا يمكن تعليله، ومعرفة وجهه من جهة العقل، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه وقال ابن العربي‏:‏ إن توقف متشرع قلنا له الله ورسوله أعلم، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة أو متفلسف، فالرد عليه أظهر لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك، ويسمون ما هذا سبيله الخواص‏.‏ وقال ابن القيم‏:‏ هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجرباً غير معتقد، وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها، بل هي عندهم خارجة عن القياس‏.‏ وإنما تفعل بالخاصية فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية، هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة، فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها، وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيكسن، فكأن أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة‏.‏ ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شيء أرق من المغابن فكان في غسلها إبطال لعملها، ولا سيما أن للإرواح الشيطانية في تلك المواضع اختصاصاً، وفيه أيضاً وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذاً‏.‏ فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء وهذا الغسل المأمور به ينفع بعد استحكام النظرة، فأما عند الإصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى‏:‏ ألا بركت عليه‏.‏ وفي رواية ابن ماجة فليدع بالبركة، ومثله عند ابن السني من حديث عامر بن ربيعة‏.‏ وأخرجه البزار وابن السني من حديث أنس رفعه‏:‏ من رأى شيئاً فأعجبه فقال‏:‏ ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن عمرو‏)‏ لينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم ‏(‏وحديث حية بن حابس حديث غريب‏)‏ وأخرجه البخاري في الأدب المفرد ‏(‏وروى شيبان‏)‏ هو ابن عبد الرحمن النحوي‏.‏